سجن النساء .. الحكم بالإعدام في قانون المجتمع

‏  9 دقائق للقراءة        1783    كلمة

ذمار أونلاين | صقر ابوحسن:

“عندما ترتكب المرأة أي خطاء، يكون مصيرها الموت أو النبذ على أقل تقدير ” قالت سحر محمد وهي تقلب أوراق كانت على مكتبها بإحدى المؤسسات الحكومية بصنعاء. واضافت بضيق ” المجتمع الذكوري دائما ما تكون عيونه مفتوحة على النساء وينتظر أي غلط ترتكبه، في وقت يغظ الطرف عن اخطاء الذكور وما أكثرها”.

الكثير من الحكايات التي تسرد عن المعاناة التي تتصل بحياة النساء اللواتي وقعن في مصائد الاخطاء الاخلاقية، وجدن أنفسهن وحيدات، بل ومعرضات للخطر في أي لحظة بسبب البيئة الاجتماعية التي ترى الفتاة وحدها في أي “قضية اخلاقية” دون شريكها الذكر.

في نظر المحامية ابتهال الكوماني “ان التمييز بين الرجل والمرأة كبير” وقالت في حديث لـ” ذمار اونلاين”: تمييز كبير ضد المرأة السجينة، كون السجناء الرجال يفرج عنهم يوم انتهاء فتراتهم بلا عوائق، على عكس النساء، بداعي الخوف عليهن.

وهو مبرر تراه “واهي لحرمان السجنية من حريتها”. الأمر لا يطال النساء اللواتي عليهن قضايا أخلاقية بل تطال السجينات اللاتي عليهن حقوق خاصة وابقائهن في السجن مثل قضايا النصب والاحتيال.

لا يكون التمييز في السجن فحسب، بل بخارجها ايضاُ، وتشرح الكوماني واحد من القضايا التي يكون التمييز ضد المرأة جليا، وقالت: اذا تم تقديم حكم إعسار إلى هيئة العامة للزكاة فإنها ترفض دفع المبالغ عن السجينات بمبرر ان مصارف الزكاة معروفه و” لا تشمل النساء” حتى وإن قضت السجينة سنوات في السجن، في حين أن المساعدات الموجهة للمعسرين من الزكاة تذهب لسجون الرجال بلا أي عرقلة.

وتابعت: نسمع كثيرا انه تم الإفراج عن عدد كبير من سجناء الرجال معسرين ولم نسمع يوماً أنه تمّ الإفراج عن سجينة معسرة، وهو أمر في نظرها “تمييز جلي وواضح”. في القضايا الاخلاقية، الرجل يخرج وكأن شيء لم يكن بحجه الرجل “حامل عيبه” والمرأة يلغى حقها من الحياة وتصبح وصمة عار، تؤكد المحامية ابتهال الكوماني، لتضيف: رغم ان السجن أعاده تأهيل واصلاح لذواتهن لكن القادم لهن بعد المدة القانونية اشد فتكاً.

وتنقل الكوماني مخاوف سجنية وقت جلستها في المحكمة عندما قالت ” مطمئنة وأنا في السجن الخوف ما بعد السجن، وخروجي منه ينتظرني كل شيء يزيدني رعب كلما اتذكر أهلي”.

العرف المجتمعي أقوى من القانون وهو سبب التمييز الحاصل عند ارتكاب المرأة جريمة، تؤكد الكوماني. وقبل انهاء حديثها، أشارت الى ضرورة توفير أماكن احتجاز احتياطية خاصة بالنساء اللاتي لم تثبت إدانتهن إلى حين الانتهاء من إجراءات التحقيق في اقسم الشرطة أو النيابة بما يدفع عنهن شبهة دخول السجن التي يتعامل معها المجتمع اليمني كـ”وصمة” تلازم المرأة طيلة حياتها حتى وإن كانت بريئة. حد تعبيرها.

  • سجن مستمر:

“مر على إنتهاء محكوميتها عام ونصف، لكنها ما تزال في السجن، لعدم وجود من يستلمها من أقربائها الذكور، كشرط الافراج عنها، لذا تنتظر الفتاة ذات الثلاثة والعشرين عاما قدرها، او ان يرق قلب أحد اقربائها، ليخلصها من عذاب المجهول دخل جدران السجن”.

رغم ان اليمن صدقت على “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) عام 1984، ونصت في ثلاث فقرات في المادة 15 من الاتفاقية على “منح الدول الأطراف المرأة المساواة مع الرجل أمام القانون”، والاهلية المدنية والقانونية للمرأة مماثلة لأهلية الرجل. أضف ان ” قانون تنظيم مصلحة السجون” الذي نص بشكل صريح على الإفراج ” عن المسجون صباح نفس اليوم لانتهاء مدة السجن عليه في الحكم” وذلك في المادة 11 من هذا القانون. لكن كل ذلك يذهب إدراج الرياح عندما تكون المرأة “سجينة أو متهمة”، فالقانون الاجتماعي هو السائد.

ويبرر القائمون على السجن ذلك بـ” الخوف على حياة المفرج عنها” وهي مبررات يسوقونها للبقاء على السجينات حتى بعد إنقضاء محكوميتهن، وهي في العرف المجتمعي أمور مقنعة، لكن في القانون ” الإبقاء على سجين انقضت محكوميته أمور غير قانونية”.

كانت الظهيرة اثر فعالية مدنية في السجن، عندما سألت ضابط في إدارة السجن المركزي بذمار بشكل عابر ، حول بقاء السجينات ” ما فيش أحد يستلمهن، لن نرميهن للشارع”، كان ردة مختصراً ويبرر بقائهن في السجن حتى “حين” وهذا الحين قد يمتد لسنوات، عقب أجابته المختصرة، اكتفيت بالابتسام والمغادرة.

  • سجن النساء:

في السجن المركز بمدينة ذمار ” سجن النساء” هناك (35) أمرأة، بينهن جزءا قليلا دخلن إثر قضايا أخلاقية، في الغالب نبذن اسرياً واجتماعياً، ومن النادر ان يدافع عنهن “محامي” أو يتم متابعة قضاياهن.

يجد المجتمعي صعوبة التقبل ان حياة السجن يمكن ان تخلق سلوك جديد، لكن في الواقع ” السجن” مكان جيد لمراجعة الحسابات والتوبة والنظر بتفاؤل للمستقبل، يقول محمد الماوري مدير مكتب وزارة حقوق الانسان بمحافظة ذمار لـ” ذمار اونلاين”.

لا يوجد دار ايواء خاص بالنساء بمحافظة ذمار، لذا نعمل بالتنسيق مع الجهات الحكومية والمدنية لتوفير مسكن لمثل هذه الحالات، في مقدمتها إتحاد نساء اليمن. يقول الماوري، ويضيف: احالة النساء الى دار ايواء مهم ولابد من توفير دار ايواء خاص بمحافظة ذمار لمثل هذه الحالات كذلك النساء اللوات يتعرضن للعنف الاسري.

وعن وصمة العار التي تلحق بالنساء بمجرد دخولهن اسجن، أشار الماوري الى ان وصمة العار تمتد الى اطفال النساء السجينات المصاحبين لهن في السجن أو الموجودين خارج السجن وكذلك أسرة المرأة واقربائها، وصمة العار كبيرة تلحق المرأة ومن الصعب ان يتجاوزها المجتمع للأسف. وتطرق الى امتداد الوصمة الى داخل السجن، وقال ” يصل التمايز حتى داخل السجن نفسه السجينات أنفسهن، بين النساء اللواتي دخلن بسبب قضايا جنائية والنساء اللواتي دخلن بسبب قضايا اخلاقية”.

يؤكد مدير مكتب وزارة حقوق الانسان بمحافظة ذمار، الى ما وصفها ” فجوة في مسار التقاضي” وقال: هناك قرارات إتهام من النيابة العامة لنساء خاصة التهم الاخلاقية وفي المحكمة يتم الحكم بالبراءة.

مشدد في ذات الوقت على أهمية التحري قبل إقرار الاتهام للنساء خاصة فيما يعلق بالقضايا الاخلاقية.  مؤكداً ان الحكم بإبرائه بعد السجن لا يكون كافي بانتزاع وصمة العار التي تلحق المرأة حتى وفاتها.

“لدينا تعاون مشترك وتنسيق بين النيابة العامة وادارة السجن لنقل السجينات اللواتي قضين فترة محكوميتهن ولم يجدن من يستلمهن من اقربائهن، الى ادار الايواء بصنعاء” قالت فايزة العزاني رئيس اتحاد نساء اليمن بمحافظة ذمار، واضافت في حديث لـ” ذمار اونلاين”: في ذمار لا يوجد دار ايواء لكن لدينا في صنعاء دار ايواء خاص بالاتحاد وننقل اليه النساء اللواتي قضين فترة السجن او المعفنات ليقوم الدار بتدريبهن وتأهيلهن.

ينفذ الاتحاد سلسلة طويلة من الاتصالات واللقاءات مع أسرة الفتاة في محاولة لإعادتها الى أسرتها بضمان عدم تعرضها للخطر، وفي حال لم تصل الجهود التي يبذلها الاتحاد يعمل على توفير حلول بديلة تتمثل في ” زواج الفتاة” في محاولة لتأسيس اسرة.

يقوم فرع إتحاد نساء اليمن بمحافظة ذمار بنقل حالات تتفاوت بين (5- 7) حالات” معنفات أو سجينات انتهت فترة محكوميتهن” كل ثلاثة شهر الى دار الايواء بصنعاء. تؤكد العزاني، وتذهب الى جزئية رفع الوعي والثقافة المجتمعية التي أكدها على اهمية تغييرها باعتبار السجن مكان إصلاح وتأهيل وليست وصمة عار.

  • قضايا أخلاقية:

ليست القضايا الأخلاقية هي من تقف حداً فاصلاً بين بعض النساء وأسرهن بل تمتد الى أي قضية أخرى، فالنظرة الاجتماعية ان المرأة التي تدخل السجن بأي تهمة كانت ” سلوكها  سيئ”، وهي نظرة قاصرة وغير دقيقة” كما يؤكد المدون والناشط المجتمعي ” علي الضياني”.

وتابع بالقول لـ” ذمار اونلاين”: بعض النساء يدخلن السجن بسبب قضايا نصب أو ديون أو سرقة أو حتى قضايا جنائية، لكن المجتمع بضع بصمته عليها بانها ” غير جيدة” وهذا يعود الى الثقافة المجتمعية القاصرة التي ترى النساء اجمالاً ناقصة واكتمالها يأتي بتبعيتها المطلقة للرجل”. معرجاً بحديثة الى تدوني الوعي المجتمعي الذي يوفر فرصة جيدة للتسامح والبداء في حياة جديدة وطي صفحات الماضي الخاصة بالنساء في حال ارتكبن خطاء.

حتى في حالة العنف ضد النساء من اقربائها او زوجها ليس هناك قانون يمنع ذلك بل والمجتمع يجرم المرأة التي تقاضي اقربائها بسبب الارث فكيف ستكون نظرة المجتمعي للمرأة التي تقاضي اقربائها بسب العنف. يتسأل الضياني.

  • تدمير كلي:

” مريم” وهو أسم مستعار، دخلت السجن بتهمة قالت إنها “كيديه” من زوجها لطلبها الطلاق المتكرر بسبب تعرضها للضرب المستمر، قضت عام في السجن قبل خروجها. كان الوصول اليها صعباً لكن العلاقات الجيدة التي بناها نشطاء مجتمعيين مع سجينات وتقديم العون المالي والغذائي والقضائي لهن لدى مكوثهن في السجن سهل الوصول اليها.

تعيش حالياً، لدى خالها الذي وثق ببراءتها، ودافع عنها، في الوقت الذي تبراء منها بقية أفرد أسرتها، وما تزال وصمة العار تلاحقها حتى بعد خروجها من السجن وفي يديها حكم قضائي “برئها من تهمة الزنا” لكن أحد لا يسمعها.

كانت تبكي بشكل مخزن وتقطع حديثها المؤلم لتغسل وجهها. ” لي سنتين من يوم خرجت لم اخرج ن الباب غير مرات محدده والى اماكن محدده، لا أحب ان التقي بأحد من نساء الأسرة أو الجيران، الجميع تلاحقني نظراتهم.

تجربة اجتماعية مريرة، ان تعيش كمذنب في نظر المجتمع بدون ذنب ترتكبه، قال الناشط المجتمعي الذي نسق لنا اللقاء مع ” مريم”، وقال: لو كان ما حدث لـ ” مريم” حدث لذكر، لكان الان يعيش بشكل اعتيادي، بل وربما يتفاخر بكونه خرج براء. ” مريم” لم تكمل العامين مع زوجها، فتاة في ريعان شبابها، لم يدمرها زوجها بل سحقها واسرتها تماما، ليكمل المجتمع ما تبقى في روحها.

  • منشأة احتجاز مؤقتة:

العرف المجتمعي أقوى من القانون وهو سبب التمييز الحاصل عند ارتكاب المرأة جريمة، تؤكد الكوماني. لتشير الى ضرورة توفير “أماكن احتجاز احتياطية خاصة بالنساء اللاتي لم تثبت إدانتهن إلى حين الانتهاء من إجراءات التحقيق في “اقسم الشرطة أو النيابة” بما يدفع عنهن شبهة دخول السجن التي يتعامل معها المجتمع اليمني كـ”وصمة” تلازم المرأة طيلة حياتها حتى وإن كانت بريئة. حد تعبيرها.

قسم شرطة الوحدة شرقي مدينة ذمار انشاء العام 2022م، ملحقا خصصا ليكون مكان احتجاز مؤقت لنساء والفتيات تم بنائه بتمويل من اللجنة المجتمعية الخاصة بالأمن والسلامة التابعة لمنتدى التنمية السياسية، في وقت تنعدم مثل هذه المنشأة في بقية اقسام الشرطة بمحافظة ذمار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى