محمية عتمة.. طبيعة ساحرة تعانق السحاب

‏  5 دقائق للقراءة        989    كلمة

ذمار أونلاين| صقر أبو حسن     (الثلاثاء: 23 فبراير :2021)

“على مسافة متقاربة من قمم الجبال الشاهقة والطبيعة الهادئة، تطرزت عددا من القرى المبعثرة في ثوبها الأخضر، معلنة بذلك تشكيل لوحة بألوان طبيعية تغري من يقترب منها”، هذه هي منطقة عتمة بمحافظة ذمار كما صورها الكاتب اليمني رياض صريم.

اشتق اسمها من “العتمة” أي المكان المظلم، بسبب الضباب الكثيف الذي يحيط بها، كطوق يزيدها تألقاً وجمالا.  

وتتميز عتمة بالتنوع البيئي والحيوي وأيضًا توجد المعالم السياحية الطبيعية والفريدة، ما أهلتها لتكون وجهة رئيسية لعشاق جمال الطبيعة، و‏خصوصا في فصلي الربيع والصيف، وفق حديث رياض صريم. 

كما أن التنوع البيئي  أهل مديرية عتمة لتكون واحدة من أبرز المحميات الطبيعية في اليمن، إذ اُعلن عنها في العام 1999، وتقع محمية عتمة “الجبلية” في محافظة ذمار على بعد 58 كم غرباً عن مدينة ذمار وعلى بعد 158 كم جنوب العاصمة صنعاء.

 

بساط أخضر يغطي 90%  من مساحة المحمية 

يشكل الغطاء النباتي ما نسبته 90% من إجمالي مساحة المحمية التي تبلغ حوالي 441 كم 2، حيث تحتل المدرجات الزراعية الجبلية 60% ‏منها، والباقي تغطيه الأحراش والغابات والمراعي الطبيعية والتي تمثل 30%, بحسب محمد علي شرف الدين مدير محمية عتمة. 

 

وقال محمد لـ(ذمار أونلاين) إن عتمة قبل إعلانها محمية، كانت تعتبر مخزن للتراث الطبيعي المتمثل في الأشجار المعمرة والنادرة وكذلك النباتات الطبية والعطرية. 

مشيرًا إلى أنه خلال العقود الأخيرة في السبعينات والثمانينات وحتى أواخر التسعينيات ظهرت بعض الممارسات الخاطئة من قبل المجتمع المحلي وتتمثل هذه الممارسات في الإحتطاب الجائر وقطع الأشجار المعمرة وبيعها في المدن وأهم من ذلك كله شق الطرقات، وتنفيذ المشاريع الخدمية دون وضع أي اعتبار لما سيحل بالبيئة من دمار.

 

ولفت إلى أن هذه المشكلات ما تزال تعاني منها المنطقة حتى بعد إعلانها محمية طبيعية. 

وقال مدير المحمية: كان يتم تنفيذ المشاريع دون دراسة وتقييم الأثر البيئي رغم وجود قانونا بهذا الشأن يسمى قانون تقييم الأثر البيئي قبل إنشاء المشاريع ورغم مخاطبتنا للجهات ذات العلاقة. 

 

ويرى شرف الدين أن “سبب تدهور الغطاء النباتي والأشجار المعمرة هو شق الطرقات في أعالي الجبال دون رفع المخلفات مما جعلها تنزل على المدرجات، والوديان مخلفة ورائها دمار هائل عند هطول الأمطار ونزول السيول.

لافتًا إلى أن إعلان “عتمة” محمية طبيعية ساهم الى حد كبير في الحفاظ على التنوع البيئي ونشر التوعية، وتكوين أندية بيئية في المدارس، والحد من عملية التحطيب. وأشار إلى تنفيذ 15 وحدة غاز حيوي (بيوجاز) لتوليد الغاز من مخلفات الثروة الحيوانية بدلاً من قطع الأشجار والتحطيب، فضلاً عن برامج الحماية للوديان والمدرجات الزراعية ومناطق المراعي.

وكشف شرف الدين عن وجود القرود والكثير من الحيوانات منها النمر العربي، والنباتات النادرة ومنها الأصل البري للرمان. 

وتحتاج المحمية للتوسع في عملية البحث الميداني والدراسات، وفق مدير المحمية. 

 وعن تأثير زراعة القات في مديرية عتمة قال محمد شرف الدين: زراعة القات تأثرت به المحمية، إذ جاءت  زراعة القات على حساب المحاصيل الزراعية المختلفة أما الغابات فلم تصل النبتة إليها حتى الآن.

 

ويوجد في محمية عتمة – بحسب شرف الدين – تسعة نطاقات بيئية، بعضها يمتاز بكثافة الأشجار المعمرة والنادرة والبعض بوجود الحيوانات المختلفة وجانب آخر بالنباتات الطبية والعطرية.

مناطق ساحرة 

ترتفع أدنى نقطة في منطقة عتمة حوالي 920 متراً من سطح البحر، بينما تقع أعلى نقطة على ارتفاع يصل الى 2600 متر، عن سطح البحر، ويحدها من الشمال ضوران آنس وجبل الشرق ومديرية السلفية التابعة لمحافظة ريمة، ومن الجنوب وصاب العالي “ذمار” ورحاب القفر التابعة إدارياً لمحافظة إب، ومن الشرق مغرب عنس “ذمار”، ومن الغرب السلفية وكسمة “ريمة” ووصاب العالي ذمار.

وتمتاز “عتمة” بسحرها وطبيعتها، وتشتهر بقلاعها وحصونها المشيدة على قمم الجبال المعلقة بين أسراب السحاب الماطرة، والمعالم المتخمة بتاريخ حافل بالأحداث المتعاقبة منذ مئات السنين.

بحسب روايات الأهالي فإن تشييد عدد كبير من حصون وقلاع المنطقة بني على أنقاض حصون حميرية قديمة مثل حصن “يفاعة” الذي أنشأ على أنقاض حصن حميري قديم، وعدد آخر من الحصون والقلاع تعود مراحل بناؤها إلى فترات الحملات العثمانية المتعاقبة وعصر الدويلات الإسلامية في اليمن ومن أبرز تلك الحصون حصن “الشرم” الذي صممت مبانيه بشكل هندسي فريد. 

وتتكون مديرية عتمة من خمسة مخاليف تعود تسمياتها الى الحقبة الحميرية “مخلاف السمل، مخلاف رازح، مخلاف بني بحر، مخلاف حمير الوسط، مخلاف سماه”، وتضم هذه المخالف 57 عزلة و 534 قرية، يقطنها 145284 نسمة، بحسب الإحصاءات السكانية لليمن عام 2004. 

ولم تقتصر الكنوز على الغطاء النباتي في هذه المحمية، وإنما كشفت دراسات وأبحاث بيولوجية ‏أجرتها فرق متخصصة عن وجود مؤشرات لتوافر معادن عديدة في جبال عتمة أبرزها “الذهب والفضة والحديد”.

من يزور المحمية للمرة الأولى فلابد عليه أن يزورها مرة أخرى، فهذه المنطقة تمثل مشفا للروح وواحة غناء للمفتونين بجمال الطبيعة الساحرة التي تزخر بها اليمن. ‏

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى